حسب الديانات السماوية جميعها دون استثناء، ومحرَّم حسب المواثيق والقوانين الدولية، وهو نهج اتبعته حكومة قريش التي كان يرأسها أبو جهل في الجاهلية الأولى بعدما بطشت في المسلمين وقتلت منهم من قتلت، وبعدما انهزمت أمام الرأي العالمي العادل والمتمثِّلة بسقوط رواية حكومة قريش الكاذبة والمضلِّلة في مجلس النجاشي، وانتصار رواية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث شعرت حكومة قريش بالإفلاس والهزيمة فلجأت إلى أسلوب على عكس عادة كرم العرب، ألا وهو التجويع حتى الموت كوسيلة ضغط. فاجتمعت في دار الندوة، وبعد التشاور قررت حكومة أبو جهل حصار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في شِعب أبي طالب وتجويعهم ومقاطعتهم، واتفقوا أن يكتبوا كتابًا يتعاهدون فيه على بني هاشم، وبني المطلب، على أن لا يُنكِحوا إليهم ولا يُنكِحوهم، ولا يبيعوهم شيئًا، ولا يبتاعوا منهم. فلما اجتمعوا لذلك كتبوه في صحيفة، ثم تعاهدوا وتواثقوا على ذلك، وتقاسموا بآلهتهم على الوفاء بما كتبوا، ثم علَّقوا الصحيفة في جوف الكعبة توكيدًا على أنفسهم، حتى تأخذ صحيفتهم بعدًا دينيًا. واستمر ذلك ثلاث سنوات حتى مات من مات من الجوع، وقد عمدوا في شِعب أبي طالب إلى أكل العشب وورق الشجر وجلود الحيوانات الميتة، وقد تحشَّفت جلودهم تحشُّف جلدِ الحيةِ عنها " .
واضاف الشيخ رائد بدير : " أمام هذا المشهد المُروِّع انتفضت قبائل الجاهلية الأولى من غير المسلمين ضد هذه الصحيفة تحت قيادة هشام بن عمرو بن الحارث، زهير بن أبي أمية، والمطعم بن عدي، وأبو البختري بن هشام، وزمعة بن الأسود، حتى قاموا بكسر الحصار وإلغاء الصحيفة حفاظًا على هيبة العرب وسمعتهم في الكرم والعطاء. فلا قانونًا، ولا إجراء، ولا صحيفة، ولا ميثاقًا يمكن أن يكون له شرعية حينما يتعلَّق بتجويع الناس حتى الموت، فهذا محرَّم في القرآن، والتوراة، والإنجيل، والزبور، ومحرم في المواثيق الدولية في زماننا المعاصر. وقد لجأت حكومة أبو جهل في الجاهلية الأولى إلى هذا الإجراء حينما انهزمت محليًا، وإقليميًا، وعالميًا، فسقطت الصحيفة وسقط بعدها من أوجدها " .
وختم الشيخ رائد بدير البيان: " ونحن في الجاهلية الثانية، وهي أشد من الجاهلية الأولى، ولا خلاف على هذا الكلام بعد اليوم، مما شهدنا ما يحدث في غزة من موت الأطفال والشيوخ من الجوع، ومما شهدنا من إذلال الناس من أجل لقمة العيش، وحتى قتلهم، فجاهلية زماننا أشد من جاهلية زمان أبي جهل، وحتى الآن لم يقم بعد هشام بن عمرو بن الحارث، زهير بن أبي أمية، والمطعم بن عدي، وأبو البختري بن هشام، وزمعة بن الأسود" .
(Photo by Ali Jadallah/Anadolu via Getty Images)