‘ حتى نلتقي – تخطيط قلب ‘ - بقلم : يوسف أبو جعفر
شارع 6 المتجه إلى الشمال كان ينساب بهدوء، كل شيء على ما يرام، المسرب وحركة السير تبشران بالخير. أمس، كنت عائدًا ظهرًا من الشمال في المسرب العكسي، شاهدت ازدحام المرور متجهًا شمالًا، فأيقنت مدى وشدة زحمة السير في هذا الشارع؛
يوسف أبو جعفر - صورة شخصية
ما أن تدخله تصبح ملكًا له دون منازع.
في الأخبار، يتحدث المذيع عن أحداث غزة، وأن الطفل الوحيد الناجي من عائلة النجار قد غادر للعلاج في إيطاليا. جانبا الطريق صفرة الصيف، بقايا قمح حُصد، لا شيء آخر. حسن أبو زايد ينقل، غدًا مظاهرة أخرى أمام مباني الحكومة، ردًا على استمرار الهدم وتوزيع أوامر جديدة.
السفر وحيدًا يأخذك بعيدًا؛ تستذكر يومك، ماضيك، تحاور غدك، تناقش كل فكرة في أقل من لحظة، تدرك أن الدرب طويل ولا يحتاج منك الكثير. تستذكر وجوهًا ولحظات، وخصوصًا من تركوا فيك أثرًا. بعض البشر في مسيرة حياتنا سكنوا داخلنا للحظات، وآخرون استوطنوا القلوب، قد يكونون غادروا الدنيا، أو انقطعت علاقاتنا بهم، ولكنهم يسكنون قلوبنا، لا يرحلون أبدًا.
هؤلاء نشتاق لهم، نحبهم، نغضب لهم، قد لا نخبرهم بحبنا لأن علاقتنا بهم تعدّت درجات الحب الدنيا، وهم ربما يعلمون ولا يدركون ذلك، وربما يتغافلون عن قصد أو دون قصد. علاقاتنا بهم ليست مبنية على مصالح، بل على أسمى درجات الحب الذي يعطي دون مقابل.
قد يكون الواحد ابنًا أو صديقًا أو حتى شخصًا لم نلتقه وجهًا لوجه؛ قد يكون كاتبًا أو زميلًا في عمل أثّر فينا وترك بصمة في طريقنا للسير نحو مستقبل أفضل، قد يكون أكبر من ذلك أو أصغر، ما يهم أنه سكن القلب ولا تريد أنت إخراجه، للسعادة التي تغمرك عند تذكر تفاصيل لقاء أو كلمة أو نشاط جمعكم سويّة.
استذكرت الكثيرين، حتى بدا لي أن حياتنا مكونة من أولئك الذين يسكنون الطوابق العلوية في قلوبنا، تلك التي ندَّخرها لأغلى الناس، وكلما ارتفع ساكنو هذه الطوابق رسموا لنا تخطيط قلوبنا، فإن كانوا بخير كنا كذلك، وإن أصابهم غير ذلك رأى طبيب القلوب في تخطيط القلب اعوجاجًا وربما خوفًا، وبعضنا قد يصيبه أزمة قلبية جراء من يسكنون القلوب.
الشارع ينساب، وفي المقابل تتوقف الحركة، ودون مقدمات يتوقف أو يبطئ أحدهم ليغير تخطيط القلب. نعم، هكذا الدنيا، لا بد من كدر ومن صفو، حينًا هذا وحينًا ذاك، وليس المهم الكدر بقدر أن يبقى الكل في مكانه، في قلبك، لا يخرج منه. لا أحد منا يتنازل عمن يحب، نصفح ونغفر ونجد الأعذار ليبقوا ساكني القلوب.
وبدون مقدمات، حادث طرق في الشارع، لا يمكن التنبؤ بالحوادث، هكذا بدأ الازدحام من جديد، وأصبح المسرب المقابل ميسور الحال، سلس السفر، وهنا توقف الزمن. هكذا قلوبنا، قد يعتريها حادث مباشر أو في الجوار، يؤثر علينا، يقلقنا. هل لنا أن نترك الطريق؟ لا يمكن. هل لنا أن نعيد التفكير في محاولة لإيجاد مسرب أسرع أو حتى أقصر؟ فعقارب الساعة لا تتوقف. ربما، ولكن كل ذلك فقط إعادة حسابات، فمن قُدر له أن يكون في الحادث يسأل عن السلامة لا عن المركبة، وهكذا قلوبنا، لا نريد أن تُجرح، أن تبقى سليمة، ودون ذلك لا بأس.
في النهاية، لا بد للطريق أن ينساب من جديد، قد نصل في الوقت وقد نتأخر، لا بأس إن نحن أدركنا وحفظنا الطريق، وقدرنا من البداية أن التأخير وارد، وأن الطريق سينتهي بالوصول.
احرصوا على أن تميزوا بين حوادث القلوب المستعصية وبين العابر منها، لا تحزنوا إن غادرَ أحدٌ مكانه فربما لا يستحق مكانته عندكم، إن أبيتم إخراجه من قلبكم فأنزلوه المنازل الدنيا من القلب حتى لا تألموا، واتركوا فقط مكانًا مفضلًا في انتظار الغائب الذي سيعود، على أمل أن يعود.
وحتى نلتقي، قلوبكم هي أغلى ما تملكون، فاسكنوا فيها فقط من تحبون، لا تؤجّروا قلوبكم لأحدٍ يريد فقط المرور، أو أن يسكن عمارة ليطل من شرفتها على الحديقة دون أن يجالس صاحب البيت. قلوبكم فقط لكم أنتم ومن فعلًا يستحقون.
من هنا وهناك
-
‘ إرجاع ينابيع المياه الى طبيعتها ‘ - بقلم: تومر عتير – زافيت
-
‘توزيع المساعدات في غزة جزء من استراتيجية إسرائيلية-أمريكية عسكرية لتسييس وعسكرة الغذاء.!‘ - بقلم : د. سهيل دياب - التاصرة
-
مقال: هل نعيش في صراع الحضارات أم في صراع الديانات ؟! بقلم : المحامي زكي كمال
-
‘ اسرائيل بحاجة ماسة لهدنة مؤقتة..لماذا ؟! ‘ - بقلم : د. سهيل دياب- الناصرة
-
‘حقيقة المنفى بين شعر محمود درويش وفكر إدوارد سعيد‘ - بقلم : إبراهيم أبو عواد
-
‘حين تُغتال اللغة وتُغتصب القيم: صرخة في وجه الواقع‘ - بقلم: رانية مرجية
-
مقال: بدلًا من الهدم – فلنَبْنِ الأمل لأهالي السِّرّ - بقلم: عبد المطلب الأعسم
-
مقال: الأكراد وموقفهم من الانتخابات القادمة - بقلم : اسعد عبدالله عبدعلي
-
‘ العنصرية تسقط عند سرير الشفاء ‘ - بقلم: رانية مرجية
-
‘ رأي في اللغة ..5 العربية لا يحيط بها إلا نبيّ .. فقُل صَحَت وقُل أَصْحَت ‘ - بقلم: أيمن فضل عودة
أرسل خبرا