بلدان
فئات

13.06.2025

°
20:10
الجبهة الداخلية في تحذير طارئ للجمهور للإسرائيلي: يجب عليكم البقاء بالقرب من الأماكن الآمنة
20:09
ترقية الحكم عبد الله عازم من الطيبة للدرجة العليا بكرة القدم
19:56
مصادر فلسطينية: سقوط صاروخ في بلدة سعير قرب الخليل | الجيش الإسرائيلي: الصاروخ الذي أطلق من اليمن سقط بمنطقة الخليل
19:42
صفارات الانذار تُدوي في القدس ومنطقة الساحل
19:35
الجيش الإسرائيلي: أنظمة الدفاع الجوي تعمل على اعتراض صاروخ أطلق من اليمن
19:20
قائد الحرس الثوري الإيراني الجديد: أبواب جهنم ستفتح قريبا على إسرائيل
19:20
نتنياهو: أتوقع أن يكون الرد الإيراني على موجات عنيفة جدا
19:17
ماكرون يقرر تأجيل المؤتمر الدولي للاعتراف بالدولة الفلسطينية
17:59
النائب يوسف العطاونة يستجوب وزير الصحة حول تشغيل العيادات المتنقلة في القرى غير المعترف بها
17:44
اتحاد أرباب الصناعة: الصناعات الحيوية الإسرائيلية تعمل بكامل طاقتها لتلبية احتياجات السوق
17:32
مركز زيف الطبي في صفد: نقل جميع المرضى إلى مناطق محمية
17:22
الحراك الشعبي النصراوي: تأجيل مظاهرة اليوم بسبب الأوضاع الأمنية
17:12
إصابة رجل بحادث عنف في يركا
17:12
الجيش الاسرائيلي يوجه تحذيرا لسكان قطاع غزة
17:10
مصادر فلسطينية:‘ 10 شهداء بقصف على عدة مناطق في غزة‘
16:42
جلسة عمل في بلدية الطيبة في ظل الوضع الأمني والطوارئ
16:30
الحاج نزيه ابو مخ من باقة الغربية: تعليمات الجبهة الداخلية أخرّت وصولنا للبلاد لكن الأمور تيسرت سريعا
16:29
بلدية ام الفحم: الرجاء من المواطنين التزام البيوت وعدم الخروج الا للضرورة القصوى
16:13
صفارات انذار في المطلة، كريات شمونة وبلدات أخرى في الشمال
16:11
أردوغان: الهجوم الإسرائيلي على إيران استفزاز واضح
أسعار العملات
دينار اردني 5.04
جنيه مصري 0.07
ج. استرليني 4.86
فرنك سويسري 4.4
كيتر سويدي 0.38
يورو 4.14
ليرة تركية 0.11
ريال سعودي 0.98
كيتر نرويجي 0.36
كيتر دنماركي 0.56
دولار كندي 2.62
10 ليرات لبنانية 0
100 ين ياباني 2.49
دولار امريكي 3.57
درهم اماراتي / شيكل 1
ملاحظة: سعر العملة بالشيقل -
اخر تحديث 2025-06-13
اسعار العملات - البنك التجاري الفلسطيني
دولار أمريكي / شيكل 3.57
دينار أردني / شيكل 5.05
دولار أمريكي / دينار أردني 0.71
يورو / شيكل 4.11
دولار أمريكي / يورو 1.1
جنيه إسترليني / دولار أمريكي 1.31
فرنك سويسري / شيكل 4.36
دولار أمريكي / فرنك سويسري 0.82
اخر تحديث 2025-06-12
زوايا الموقع
أبراج
أخبار محلية
بانيت توعية
اقتصاد
سيارات
تكنولوجيا
قناة هلا
فن
كوكتيل
شوبينج
وفيات
مفقودات
مقالات
حالة الطقس

مقال: هل نعيش في صراع الحضارات أم في صراع الديانات ؟! بقلم : المحامي زكي كمال

بقلم: المحامي زكي كمال
30-05-2025 06:49:22 اخر تحديث: 30-05-2025 17:01:00

لم تكن الأقطاب التي تدور بينها الأحداث في الشرق الأوسط عامّة، والمنطقة القريبة خاصّة إسرائيل وغزة والضفة الغربيّة وسوريا بعيدة أبدًا عن بعضها البعض كما هي عليه اليوم، والخطر من ذلك أنها لم تكن أبدًا بنفس التناقض

المحامي زكي كمال

والصدام الذي هي عليه اليوم. وهو ما تؤكّده إطلالة سريعة على الأحداث التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة عامّة والعامين الأخيرين خاصّة، وتحديدًا ما نشهده من حرب تبلغ هذه الأيام ستمائة يومٍ من عمرها وستزيد، وما سبقها من توتّرات وازدياد للتوجهات المتديّنة واليمينيّة في إسرائيل.
وتمسّك "حماس" بسيطرتها على قطاع غزة وازدياد قوّتها في الضفة الغربيّة، وانهيار نظام الأسد في سوريا وهو شاء من شاء وأبى من أبى انتصار لتوجّهات إسلاميّة كان الرئيس الحالي أحمد الشرع بتسميته "الجهاديّة المتديّنة" السابقة أبو محمد الجولانيّ، المنحدر من القاعدة إلى جبهة النصرة وهما وجهان لعملة واحدة، وما تلا السابع من أكتوبر من تعاظم للتوجهات الخلاصيّة في إسرائيل والتي تعتبر الحرب في غزة أوامر إلهيّة ووصايا توراتيّة، والتي يقول عنها بعض الحاخامين اليهود أنها - أي الحرب - وإن كانت غير مرغوب فيها، أو صعبة أو مكلفة، أو أنها لن تنتهي بمكاسب إسرائيليّة كبيرة، إلا أن إسرائيل ملزمة بخوضها بصفتها أمرًا ربانيًّا وإلهيًّا، ما على اليهود إلا تنفيذه. وهو أمر لم يعد مجرّد حديث عابر يتفوّه به بعض "المهووسين الخلاصيّين"، بل أصبح جزءًا من عبارات يتفوّه بها إضافة إلى التصريح الشهير بأنها حرب بين التحضّر والظلام، أو بين الحضارة الغربيّة والتزمّت الإسلاميّ.

معظم أفراد الحكومة الحاليّة وتعكسها تسميات الحرب ابتداءً من "السيوف الحديديّة" ومصدره في التوراة، ويشير إلى الفلسطينيّين القدماء، كانوا يحتكرون صناعة الأدوات الحديديّة، ويمنعون الإسرائيليّين من صناعة السيوف ورماح حديديّة بمعنى إبقائهم دون حماية وتحت رحمة الفلسطينيّين، أي أن الحرب الحاليّة هي محاولة للردّ على ذلك، وتصحيح لتلك الواقعة التي حدثت قبل آلاف الأعوام، بحسب السرديّة التوراتيّة، أو "مركبات جدعون" كتذكير بقصة توراتيّة لجدعون وجيشه المؤلّف من ثلاثمائة رجل وحقّقوا انتصارًا رائعًا معناه بأن إيمان قلّة من الناس بصدق أهدافهم، قد يُحدث فرقًا كبيرًا في تغيير حياة من حولهم، بل وحتى مجرى التاريخ نفسه، فقد وعد الله جدعون بأنه سيعمل من خلاله لإنقاذ إسرائيل من أيدي المديانيّين، في إشارة إلى سعي إسرائيل كدولة صغيرة وقليلة عدد السكان إلى "تحقيق نصر على من يفوقها عددًا وعدةً"!!!!! ومقابله تسميات في غزة تحمل دلالات دينيّة منها طوفان الأقصى، واعتبار الحرب الحاليّة حربًا دينيّةً تشنها إسرائيل والغرب وأمريكا على كافّة المسلمين في العالم، أو على تلك الجماعات منهم والمجموعات التي ترفع راية التوجّهات الدينيّة، وترفض السيطرة الغربيّة وتريد بسط نفوذ الشريعة الإسلاميّة وغيرها من المصطلحات الدينيّة، وبالتالي فحقيقة الأمر هي أن إسرائيل وحركة "حماس" هما طرفا نقيض في هذه الحرب، لكنهما يؤكّدان كلّ من جهته ولمصلحته، أو لضمان الهدوء بين مواطنيه وضمان إمكانيّة مواصلة الحرب دون توقف باعتبار وقفها مخالفة لأوامر وضرورات شرعيّة، أنهما الدليل على أن الحديث عن أن الشرق الأوسط هو ساحة لصراع الحضارات هو حديث يجافي المعنى الأصليّ لمصطلح صراع الحضارات، وهو المعنى الذي يفترض أنه صراع بين التزمّت والانفتاح، أو بين التديّن والعودة إلى الأوامر الإلهيّة وبين التوجّه إلى العلمانيّة، أو حتى بين تقديس الفرد، كما هو الحال في المجتمعات الليبراليّة والارتماء في حضن الجماعة كما في الشرق، أو بين حرية الرأي وتعّدد المواقف كما في الغرب وبين "نظريّة القطيع" في الموقف والتوجّهات، أو بين التفكير المنطقيّ والعقلانيّ وبين الانجرار وراء العواطف والغرائز.

" نهج التكفير والإقصاء والمعاداة "
ما يشهده الشرق الأوسط اليوم وبدايته كانت واضحة وبارزة للعيان، بل مكتوبة على الحائط، منذ نهاية العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين، أي سنوات قبل الربيع العربيّ، عبر تعاظم قوّة التوجّهات الغيبيّة والتزمّتيّة التي لا تقبل الحوار ولا التفاوض ولا تحسب لحياة الناس ورفاهيّتهم أي حساب، بل تعتمد نهج التكفير والإقصاء والمعاداة، وتستخدم القوة والسلاح ضد من لا يتماشى معها خاصّة من الأقليّات الدينيّة كما حدث مع المسيحيّين في العراق وسوريا تحت سلطة "داعش"، وكحال المسيحيين الأقباط في مصر تحت الإخوان المسلمين وحالهم مع الدروز في سوريا الشرع أو الجولانيّ اليوم، كما كانت بادية في إسرائيل ولو على نار هادئة منذ اتفاقيّات أوسلو وقبلها عبر فتاوى دينيّة تعتبر المتفاوضين لتحقيق سلام مع الفلسطينيّين خونة يستحقون عقوبة الإعدام، أو اعتبارهم يستحقّون عقوبة "من يسلم أرض إسرائيل للأعداء"، واعتبار الحرب أو الصراع بين إسرائيل والفلسطينيّين حرب ديانات، وليست صراعًا سياسيًّا ينتهي بالتفاوض والحلول الوسط، بل إنه صراع دينيّ يبقى فيه طرف واحد بينما تتم إبادة الطرف الآخر، وبالتالي وبغضّ النظر عما ستنتهي إليه الحرب الحاليّة خصّيصًا والأوضاع الحاليّة في الشرق الأوسط، أي هل ستؤدّي إلى حرب دائمة كما قال عنها الجنرال دافيد زيني، مرشح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لرئاسة جهاز الأمن العام (الشاباك)، أو كما يقول عنها قادة "حماس" على وزن تصريحات القيادات العربّية حول "النضال الفلسطينيّ حتى آخر فلسطينيّ"، أو إلى تهدئة دائمة كما يريد الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب، فإن ما يحدث اليوم هو ربما نقيض ما دار الحديث عنه من حيث صراع الحضارات الذي افترض أن الشرق الأوسط يشهد صدامًا بين "نوعين من الحضارة"، الأول غربيّ نرجسيّ قوامه السجود للفرد أو "الأنا" مع اهتمام أقل بالجماعة، أو الجماعة القوميّة أو الدينيّة، والثانية "حضارة شرقيّة" تستند إلى الجماعة، وتعتبر الفرد بحدّ ذاته غير قائم تقريبًا، بل إنه جزء من مجموعة تزداد قيمته في نظر نفسه كلما كانت جماعته، أو مجموعته أكبر، وخاصّة إذا كانت تستند إلى مشاعر وتوجّهات دينيّة وقوميّة متشابكة وتحديدًا الجماعات الإسلاميّة المتزمّتة وفيها علاقة الفرد بالمجموعة وانصياعه التامّ لها أبرز وأوضح وأكبر، إضافة إلى كون الأولى أي الغربيّة تنتهج التصرفات العقلانيّة والمدروسة بينما الشرقيّة تعتمد العواطف والغرائز والردود السريعة وأحيانًا المتسرّعة، أي غير العقلانيّة ممّا منحها في عيون الغرب شكل "الحضارة غير المتحضّرة" التي يعيش الفرد فيها ضمن جماعة ما ووفق نمطها وتوجّهاتها مفضّلًا عدم الخروج عن النصّ، بينما الغربيّة يعيش فيها كل فرد نرجسيّته، ويحقّق ذاته وكلّها أمور تحدث اليوم، لكنّها تخالف بشكل ما نظريّة صدام الحضارات.

صدام اقتصاديّ بين دولتين عظميين
هذه النظرية طرحها صاموئل هنتنجتون في تسعينيّات القرن الماضي، وتحدّث فيها عن احتدام الصراع بين مختلف الحضارات المتنافسة، أو المتخاصمة في جميع قارات العالم من كونفوشيّة وإسلاميّة وحتى شرقيّة وغربيّة، وصدام اقتصاديّ بين الدول الفقيرة والنامية، فالواقع اليوم في العالم هو صدام اقتصاديّ بين دولتين عظميين، هما الولايات المتحدة والصين، وحرب بين دولتين اوروبيتين هما روسيا وأوكرانيا يدين سكانها ومواطنيهما بنفس الديانة، مع اختلاف مذهبي بسيط حيث ينتمي أحدهما إلى الكنيسة الأرثوذوكسيّة والآخر إلى الكنيسة الغربيّة، كما أن نظريّة "صدام الحضارات"، وربما لغاية في نفس يعقوب أو لعدم فهم خصوصيّة النزاع الإسرائيليّ العربيّ - الفلسطينيّ، واستحالة الفصل بين السياسة فيه وبين الدين، تجاهلت الخوض في هذا النزاع بين إسرائيل والعالم العربيّ في البداية وغالبيّته من المسلمين، والنزاع الإسرائيليّ الفلسطينيّ بعد أن ضاقت حلقاته بحكم اتفاقيّات السلام مع مصر واتفاقيّات أبراهام، مع بقاء الأردن حالة خاصّة فهو ما زال متمسّكًا بالشأن الفلسطينيّ، حتى أن واضع نظريّة "صدام الحضارات" تطرّق إليه بصورة عابرة، حينما تحدث عن تزايد أعداد المسلمين ربما مقابل الأوروبيّين أو الدول الأوروبيّة، لكنه اكتفى بذلك معتبرًا، خطًّا كما يتضح، أن هذا الأمر هو جزء من أجزاء الصراع بين الشرق الإسلاميّ بغالبيّته والحضارة الغربيّة، فهو في نظره جزء من صراع حضاريّ أو ثقافيّ قبل أن يكون سياسيًا أو عسكريًّا يظهر تارة بصبغة قوميّة وتارة بصبغة دينيّة.

" نقطة مفصليّة تاريخيّة في الصراع العربيّ - الإسرائيليّ "
دون الخوض في التفاصيل الدقيقة خاصّة نقاط الضعف في هذه النظريّة، وكونها عامّة تتناسى الخصوصيّة والفوارق في أسباب ومجريات النزاعات، يمكن القول اليوم إن السابع من تشرين الأول اكتوبر 2023، يشكّل نقطة مفصليّة تاريخيّة في الصراع العربيّ - الإسرائيليّ، وحالة ما بعدها ليس كما قبلها، بل أسوأ وأخطر، ينهي ربما عهد البحث عن "المواقف المشتركة" أو الحلول الوسط، أو "البحث عن العوامل المشتركة التي تقود إلى حلّ النزاع"، وبكلمات أوضح وأقلّ دبلوماسيّة كشف المستور عن طبيعة النزاع الإسرائيليّ الفلسطينيّ، وإزالة الغطاء عن الحقيقة ومفادها أن أطرافه، وتحديدًا إسرائيل بحكومتها الحاليّة وتركيبتها السياسيّة والائتلافيّة وحركة "حماس" وبشكل أقل السلطة الفلسطينيّة، تعتبره حربًا دينيّة لا مكان فيها للحلول الوسط والتنازلات، وهو ما تؤكّده ملامح المشهد الإسرائيليّ من جهة والحمساويّ من جهة أخرى، فالمشهد الإسرائيليّ الحكوميّ والشعبيّ اليوم، يشير إلى اعتبارها حربًا دينيّة يجب فيها القضاء على العمالقة وإبادتهم، بل تدميرهم حتى آخرهم ورشّ الأرض في غزة بالملح كما جاء في التوراة، منعًا لإنبات أيّ زرع فيها واعتبار عدد القتلى من الفلسطينيّين أمرًا غير ذي أهميّة فكلهم مدانون بجريرة ما فعلته حركة "حماس"، ولا أبرياء بينهم. وليس ذلك فحسب، بل إنه لا يجوز حتى الحديث عن عدد القتلى وانتقاد ذلك، فهي حرب دينيّة على الجميع الانصياع للأوامر الربانيّة والإلهيّة المتعلّقة بها، ومنع إدخال المعونات الإنسانيّة ومنع المحاكم أو امتناعها من التدخّل في ذلك، واستخدام المصطلحات الدينيّة لتحديد أهداف الحرب، ومنها القول في التوراة "أن تمحو ذكر ونسل العمالقة حتى النهاية فلا يبقى لهم ذكر أو أثر". وهو ما يشكّل تحقيقًا تامًّا للنبوءات والفتاوى الدينيّة التي بدأت منذ ثلاثة عقود وتزامنت مع اتفاقيّات أوسلو وازدادت شعبيّتها، على نار هادئة في المعاهد الدينيّة التابعة للحركة الصهيونيّة المتديّنة عرَّابة الاستيطان في الضفة الغربيّة، وفق فتاوى أحد اكبر حاخاماتها وهو الحاخام يتسحاق غينزبورغ الذي كان من أوائل من أصدر الفتاوى ضد اتفاقيّات أوسلو واعتبارها تفريطًا بأجزاء من أرض إسرائيل، ومن مجَّد باروخ غولدشتاين مرتكب مذبحة الحرم الإبراهيميّ الشريف في الخليل في الخامس والعشرين من شباط عام 1994، أي بعد عام ونصف من اتفاقيّات أوسلو، ومن ألّف كتابًا عنه، وفوق ذلك فهو الأب الروحي للحاخامين يتسحاق شبيرا ويوسف أليتسور، من المدرسة الدينيّة "يوسف لا يزال حيًّا" في مستوطنة يتسهار في الضفة الغربيّة والمعروفة بتطرّف سكانها وعدائهم للفلسطينيّين والعرب، اللذين وضعا كتابًا يجيز قتل الفلسطينيّ حتى إذا كان رضيعًا، لأنه كما يقولان "سوف يكبر ويكون عدوًّا لإسرائيل" أي عملًا بالقول: "من ينوي قتلك أو يفكّر بذلك، استبِقْهُ وبادر قبل ذلك إلى قتله". وفي خضم الاحتجاجات ضد خطة فك الارتباط عن غزة عام 2005، نشر الحاخام يتسحاق غينزبورغ، رئيس المدرسة الدينيّة سابقة الذكر مقالات تدعو إلى التطهير العرقيّ للفلسطينيّين، وصولًا إلى الحديث اليوم علنًا عن تهجير للفلسطينيّين كليًّا من غزة.

"حرب فريضة توراتيّة"
وإذا كانت الحرب دينيّة، أو كان الصراع صراع ديانات وليس حضارات، فالكيانات التي تشارك فيه تنطلق من منطلقات دينيّة، أو تكون كيانات تحكمها الشريعة بشكل تامّ، أو تسيطر عليها توجّهات دينيّة خلاصيّة تستبدل المؤسسات الديمقراطيّة التي كانت قائمة، أو على الأقلّ تعمل وعملت طيلة سنوات على إضعافها، لينخر الوهن عظامها ربما خوفًا، وهو ما كانت المستشارة القضائيّة للحكومة الإسرائيليّة غالي بهراف ميارا قد ألمحت إليه في كلمتها أمام المؤتمر السنويّ لنقابة المحامين بقولها إن تغيير نظام الحكم يتمّ في إسرائيل أمام أنظار الجميع وأن الحكومة والائتلاف، وإن لم تشر إليهما بالاسم الصريح، استغلا الحرب وغبار المعركة لتغيير نظام الحكم عبر إضعاف الجهاز القضائيّ، وتسديد أسهمهم خاصّة إلى محكمة العدل العليا، وأن الاستخفاف بقرارات المحكمة العليا وتوصياتها هي، بل تحقير المحكمة أصبح أمرًا عاديًّا، وهو ما يتم اليوم، إضافة إلى تساوق للمحاكم مع التوجّهات المتشدّدة والتي تتبنّاها الحركات اليمينيّة التي تتصرّف اليوم بحرية تامّة ومن منطلق إيمانها الذاتيّ المطلق، وهو إيمان غير موضوعيّ يعتمد المشاعر والعواطف غير القابلة للنقاش العقلانيّ، بأنها كانت في خانة الإقصاء طيلة سنواتز

كما اتضح من رد محكمة العدل العليا التماس حركة " غيشاه - مسلك" التي طالبت بإلزام الحكومة وفق معايير القوانين الدوليّة بإدخال المعونات الإنسانيّة إلى غزة، حيث جاء في قرار القاضي دافيد مينتس، إنها "حرب فريضة توراتيّة" وأجاز استمرار منع إدخال المعونات وبكلمات أخرى حرمان ملايين الغزيّين من الماء والغذاء والدواء، في قرار يشكّل تطبيقًا لواحد من بنود نظريّة الحاخام غينزبورغ التي سمّاها في خطبة معروفة له باسم "نظريّة حبّة الجوز"، التي تصف دولة إسرائيل بأنها تشبه حبة الجوز ومؤلّفة من أربع طبقات، أولاها الثمرة وترمز إلى شعب إسرائيل، أمّا القشور، فهي دولة إسرائيل العلمانيّة ومؤسّساتها، وهي مؤسّسات كانت إسرائيل بحاجةٍ إليها في بداية الطريق، كما يعتقد، لكي تنمو وتتطوّر. لكنّ القشور تحوّلت اليوم إلى عنصرٍ يعيق تطوُّر شعب إسرائيل في أرضه كما قال، لذلك يجب كسر هذه القشور وتحطيمها من أجل قدوم المسيح المنتظر، إضافة إلى ثلاث قشور أخرى هي وسائل الإعلام والمنظومة القضائيّة وأجهزة الدولة، وهو يعتبر أنه يجب تحطيمها، أمّا الجيش الذي يشكّل القشرة الرابعة، فيمكن إصلاحه، لكن يجب تغيير القيم الأخلاقيّة التي يتبناها، بمعنى التنازل عن منظومة التصرّف والقيم التي وضعها خبراء قبل عقود ومنهم البروفيسور آسا كاشير، الذي كان قد أعلن في مقال كتبه مؤخّرًا أن الجيش الإسرائيليّ يرتكب في غزة أفعالًا ترقى إلى مستوى جرائم الحرب، وأنه تحوّل إلى جيش مليشيّات، ما يؤكد أن السابع من أكتوبر كان الفرصة المواتية لتتحوّل هذه الأفكار إلى مواقف على أرض الواقع وإلى سياسات رسميّة وحكوميّة، تسوقها وسائل إعلام وإعلاميون تخلّى العديد من الصحافّيين عن التغطية الموضوعيّة، ويطالبون بالتهجير والترحيل والإبادة والانتقام والطرد والإبادة، ويروِّج لها سياسيّون دون خوف من مساءلة قضائيّة وقانونيّة، أو حتى جماهيريّة إلا من رحم ربّي. وهو تطبيق حرفيّ لما كتبه غينزبورغ بعد أيام من السابع من أكتوبر، معبّرًا في حينه عن خبايا قلوب غالبية مواطني الدولة، حيث قال وحشيّة العماليق (حركة "حماس" والفلسطينيّين) التي تتجلّى في أعمالهم تحتم القضاء عليهم جميعًا، وفق مبدأ "اقضِ على ذِكر العماليق تحت السماء"، أي الإبادة الكاملة تشمل تهجيرهم وهي خطوة يؤيّدها 69% من العلمانيّين و 82% من المتدينين، في حرب دينيّة تشكّل تنفيذًا لأوامر إلهيّة، لا مجال للألم فيها على الخسائر فهي من أجل الله وباسمه، بما في ذلك التضحية بالمخطوفين من خلال المعارضة الشديدة للصفقة، في سبيل ما يسميه الحاخام النصر المطلق، ولعل هذا يفسر ما نقله كثيرون عن الوزيرة أوريت ستروك من الصهيونيّة المتدينة وأتباع الحاخام غينزبورغ التي اعتبرت السابع من أكتوبر أعجوبة ربانيّة.

 وهو الحال في غزة وطهران وبيروت أو "حزب الله" والحوثيين، فالحرب دينيّة وبالتالي لا تكاد الأصوات المعارضة، أو المنتقدة لهجمات "حماس" هذه تسمع هناك، كما أنها نادرة في العالم الإسلاميّ والعربيّ، ويتم وصمها بأنها سياسيّة وخوارجيّة إذا ما كانت مناوئة ومعارضة، رغم الخسائر البشريّة المتمثّلة بمقتل عشرات الآلاف في القطاع حتى اليوم وعددهم مرشّح للزيادة بسبب خطورة آلاف الإصابات، وإصابة نحو 200 الف بجراح، وهدم شبه تامّ لمقوّمات السكن والحياة هناك، ويكاد السابع من أكتوبر الذي أشعل فتيل الحرب في غزة، لا يثير الجدل إلا في ما ندر بين رجال الدين الفلسطينيّين خاصّة في القطاع، والذين تجرّأت قلّة قليلة منهم على التصريح بأن الفائدة منه لا توازي ولا تساوي ولا تبرر ما خلّفه من الضحايا المدنيّين، وهم تمامًا كتلك القلة من السياسيّين ورجال الدين اليهود في إسرائيل الذين يطالبون بوقف الحرب وسفك الدماء، بينما يقول معظم رجال الدين المسلمين في المواقع سابقة الذكر أن هجوم السابع من أكتوبر 2023 "فعل شرعيّ وقيام بواجب الجهاد، لا غبار في ذلك عليه، وأصحابه مأجورون أجر الجهاد العظيم"، حتى أن المنتقدين والمتحفّظين يقولون إنه "حتى لو كان توقيت القرار خاطئًا أو كان هناك خطأ في التقدير، وعدم إدراك بأنه سوف يتسبب في هذه الحرب المدمرة بعده، أو كان صوابا في نظر من اتخذه، فكلها أمور يجب عدم الخوض فيها حاليًّا في أثناء الحرب، وإنما يكون بعدها، لأنه لا ينفع شيئًا الآن، بل يضر"، في تبرير وتكريس لموقف "حماس" كما جاء على لسان محمد الضيف فور بدء هجمات السابع من أكتوبر، حيث قال إن العمليّة العسكريّة بمسمّاها "طوفان الأقصى" هي "الردّ على تدنيس الإسرائيليّين للمسجد الأقصى وتجرؤهم على مسرى الرسول" وأنها جاءت لوضعِ حدٍّ للانتهاكات الإسرائيليّة، مطالبًا باتّحاد كل القوى العربية والإسلاميّة لإنهاء الاحتلال.

تحويل الصراع أو الصدام في الشرق الأوسط من صدام للحضارات إلى صدام للديانات
ختامًا، ما يجري الآن في الشرق الأوسط يشير وربما بما يشبه التأكيد إلى أن ما قاله جون ستيوارت الفيلسوف والاقتصاديّ والسياسيّ الإنجليزيّ، عن الحريّة الفرديّة وحريّة التعبير، واعتبار الإنسان الفرد القيمة والمساواة في حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين، والحكومة التمثيليّة والتدخّل الحكوميّ المحدود في الشؤون الاقتصاديّة والفرديّة، واتّباع مبدأ المنفعة للمواطن العاديّ كأساس للتشريعات والقيم السياسيّة والسلطة، واعتبار النزعة الماديّة السائدة في هذا العصر، لم يعد قائمًا في معظم دول المنطقة بما فيها إسرائيل وغزة وسوريا ولبنان وطهران وغيرها، فالقرارات والتشريعات والسياسات لا تأتي لخدمة المواطن الفرد وتحسين أوضاعه ومستوى حياته، بل تحقيقًا لأيديولوجيّات دينيّة وغيبيّة خلاصيّة، تحوّل الإنسان إلى جزء بسيط لا قيمة له من منظومة واسعة هي الأهمّ، تأتي على شكل توجّهات دينيّة وقوميّة متطرّفة ، لا تعير حياة الإنسان أيّ اهتمام، بل تعتبره في حالة الحرب الحاليّة وقودًا لمواصلة حرب يصفها البعض أنها جهاديّة، والبعض الآخر أنها أوامر إلهيّة، وهما وصفان لحالة واحدة، وهي تحويل الصراع أو الصدام في الشرق الأوسط من صدام للحضارات إلى صدام للديانات، رغم خطورة ذلك والمآسي التي سيخلّفها والحرب الحاليّة أفضل برهان على خطورة الغيبيّات على طرفي الحرب خاصّة والمنطقة والعالم عامّة، متناسين القول الشهير للإمبراطور الفرنسيّ نابليون بونابرت الذي قال إن التاريخ أثبت أن "الحروب الدينيّة هي في الأساس صراع بين الناس على من يملك الصديق الوهميّ الأفضل"، أو بين طرفين تسمح القيادات في كل طرف منهما لنفسها أن تضحي بحياة البشر، وأن تعتبر الأرض والحجر أغلى من الإنسان والبشر، وأن تواصل حربًا لا تُبقي ولا تذر لأهداف سياسيّة... أجل صدق محمد الماغوط حين قال: " لقد أصبح البشر كصناديق البريد المقفلة، متجاورين، ولكن لا أحد يعرف ما في داخل الآخر".


panet@panet.co.ilاستعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال ملاحظات لـ

إعلانات

إعلانات

التعقيبات
  1. الناصرة
    يوسف 2025-05-31 14:41:45
عرض المزيد من التعليقات

اقرأ هذه الاخبار قد تهمك