الإيداع في التربية والتعليم
على مدار سنوات قمت بتدريس مساق في موضوع طريقة الإيداع في التربية، أو ما تسمى " التربية البنكية "، معتمدا على كتاب " تربية المضطهدين " للمربي باولو فيريري البرازيلي،
د. غزال ابو ريا - تصوير: موقع بانيت وقناة هلا
حيث أن طريقة الإيداع في التربية أساسها أن يودع المربي مادة تعليمية في دماغ الطالب، متجاهلا الحوار بينه وبين الطالب، ونتيجته ثقافة السكون التي تصل الى عجز التلميذ، اللامبالاة، إنعدام الثقة بالنفس والخضوع للسيادة.
طريقة الايداع لها انعكاسات سلبية من الناحية التربوية والإجتماعية حيث يكون المعلم أو المربي هو المركز بينما يكون الطالب مجرد مستمع جانبي. اسلوب الايداع يستبعد النقاش، البحث، الاستطلاع، ويبدو المعلم في اسلوب الايداع والطالب كأقطاب متناقضة، والموقف السليم هو التقريب بين الطالب والمعلم حيث يتبادل الطرفان الأدوار من حين لآخر أو حتى كلاهما يكون معلما وطالبا في آن واحد. في طريقة الايداع يعلم المعلم والطالب المستودع، يعرف المعلم كل شيء بينما الطلاب يفكر لهم، يتكلم المعلم بينما يستمع الطلاب بخنوع، المعلم هو المركز بينما الطلاب هم مجرد اشياء هامشية.
ويعمل اسلوب الايداع في التربية على فصل الانسان من عالمه ويصبح متفرجا وليس مشاركا .
من هنا طريقة الحوار في التربية توجد مساواة بين المعلم والطالب، إثارة للتفكير، البحث، الحوار، تقوية للعلاقة بين الانسان وعالمه، الطالب هو في المركز، هناك تركيز على قدرات الطالب، وطريقة الايداع عكس ما ذكر.
باولو فيريري يرى في التربية رافعة سياسية لتحرير المضطهدين ويؤكد على أهمية الثورة التربوية التي تأتي قبل الثورة السياسية، وما يحدث عند الأقليات الى تماثل المضطهد مع المضطهد ويتحول من يقمعك ويضطهدك الى المثال والنموذج الانساني والى قدوة ينبغي السعي اليها، هذا ما يصيب المضطهد والمقموع الخوف من الحرية، وخوف المضطهد من الحرية نابع من تقمصه لشخصية المضطهد والحرية تلزمه التخلص من شخصيته واستبدالها بالتحرر والحرية وعليه لا يشرع المضطهدون الذين تأقلموا للبنية المذكورة البدء بالتحرر والانطلاق في نضال من أجل الحرية، لأن الخوف اطبق عليهم ويصيب المضطهدين الشعور بالدونية واحتقار انفسهم اي تصورهم الذاتي واطئ وهذا نتيجة لتبنيهم للأفكار التي يحملها المضطهد عنهم، وعليه يحسون بالعجز والضعف ولا حول لهم ولا قوة .
من هنا نرى ان الوعي شرطا ضروريا للتحرير، والتحرير ليس من اقواس الاضطهاد الخارجية بل من اقواس الاضطهاد الداخلية التي يفرضها المضطهد على نفسه، والوعي يمكن الانسان من فهم واقعه والتعرف على اهدافه كي يستطيع التغيير وخلق وضع جيد يمكنه من البحث والتفتيش عن انسانية اكثر اكتمالا والتغيير لا يتم الا بالروح النقدية التي اساسها الحوار. التربية ليست عملية سيطرة، ترويض وتدجين، بل عملية تحررية، في ثقافة السكون تلوذ الجماهير بالصمت وهذا يصفي كيانها، يبقى الحوار، ثقافة الحوار، الطريق للتغيير
التثقيف من اجل الحرية على عكس التثقيف من اجل الاستبداد .
في هذا المقال اعتمدت على فصل من كتاب لي بعنوان "التربية الاجتماعية في المدرسة".
من هنا وهناك
-
‘ التلقين الدّيني المبكّر: بين قدسية العقيدة وحقوق الطفل الفكرية ‘ - بقلم : أ. سامي قرّه
-
مقال: المحامي فريد جبران .. الإنسان المناسب في المكان المقدس‘ - بقلم: رانية مرجية
-
‘بدنا حقنا ، بدنا نعيش بكرامة ‘ - بقلم : عمر عقول من الناصرة
-
‘ لقاء ترامب ونتنياهو: صياغة للبدايات أم تحديد للنهايات! ‘ - بقلم : المحامي زكي كمال
-
‘ أيها الطالب / ايتها الطالبة، صيفك كنز... كيف تستغله بذكاء؟ ‘ - بقلم : الاستاذ رائد برهوم
-
‘العرس فرح وإشهار وليس حداية واشعار‘ - بقلم : المربي جهاد بهوتي
-
‘ ازدهار عبد الحليم الكيلاني في كتابها ‘أحاديث من التراث‘ تسكب من مشاعرها إضافات وجدانية‘ - بقلم : زياد شليوط
-
‘ المستحيل... حكايات مزورة ‘ - بقلم : الشيخ أمير نفار
-
مقال: عبد الله الثاني... حين تصير الأوطان ملوكًا، ويصبح العدل سِمَة التاج - بقلم: عماد داود
-
شرائع الرئيس ترامب: الدول خاضعة لفرمانات من البيت الأبيض !
أرسل خبرا