الأعراس .. أصبحت هما غير مبرر وتوجب المراجعة - بقلم : بروفيسور أسعد غانم
28-04-2024 06:15:46
اخر تحديث: 28-04-2024 09:17:00
" مرة أخرى، ومع بداية ربيع اخر، تعود الاعراس لتحتل محورا مركزيا في حيثيات إدارة مجتمعنا لأموره الأساسية، مرة أخرى تنطلق "الافراح" وليال طويلة من الاحتفالات بالأعراس.

طبعا الفرح بزواج الابنة او الابن هو من أجمل ما يخوضه الاهل في حياتهم، وهنالك واجب مهم في اشتراك الاهل والاقارب والاصحاب في افراح أبنائنا وبناتنا، لكن هذه المناسبة تحولت ومنذ سنوات الى هم وكابوس لعموم الناس، وتتخللها مظاهر التقليد والمبالغة والبذخ التي تدل على عكس ما يجب ان يرمز اليه الزواج وبداية الحياة الجديدة.
أدناه دعوة الى البدء في تحديد مظاهر الاعراس لا الغائها، الاهتمام بحضور افراح من تحبون، لكن دعوتهم الى الاختصار عموما، وفي ظروف الحرب والقتل اليومي والمعاناة الفظيعة في غزة بشكل خاص.
قبل نصف قرن، او ما يرنو من ذلك، كان عدد الاعراس السنوية في بلدة متوسطة يصل عشرين عرسا. كانت الاعراس مناسبة لإظهار التعاضد والتلاحم المجتمعي، تكاليف العرس كانت محمولة نسبيا والدعم "النقوط" كان متواضعا وملائما للميزانيات العائلية، حتى للعائلات التي كان دخلها اقل من المتوسط. في العقود الأخيرة، وتحديدا في الثلاثة عقود او ما يرنو من ذلك، تفاقمت مظاهر الاعراس الى حالات غير منطقية وغير معقولة، وفي كل الابعاد. اعداد الاعراس، عدد أيام الاحتفال، تكاليف السهرات، تكاليف العريس والعروس، تكاليف أهلهم وذويهم واصدقائهم، وطبعا تكاليف النقوط على المدعوين.
"النقوط وإعادة الدين"
اعتقد باننا جميعا نعرف ان العائلات المحتفية بالعرس، واقاربهم واصدقائهم وعموم المدعوين، يتذمرون من تبعات العرس، من التكاليف، من أيام السهر، من الحفلات الفرعية والرئيسية، من مظاهر الصرف وإعلان الفرح، من هدر الايام الطويلة في التحضير للأعراس، وبالتأكيد من تبعات العرس من حيث ضرورة ان تُدوّن كل من "نقط" وتحضير العائلة لسنوات قادمة من المشاركة بمئات الاعراس، لتقديم واجب المشاركة "واعادة الدين". كل هذا بالإضافة الى المدعوين، الذين عادة ما يتذمرون من اعداد الاعراس في كل موسم ومن تكاليف المشاركة ماديا على العائلة وميزانيتها. اعرف العشرات من الناس الذين يقومون سنويا بالاقتراض من البنوك او من أقاربهم واصدقائهم لكي يقوموا بواجب النقوط، وخصوصا تجاه أناس قاموا بدعوتهم في السابق الى مشاركتهم بأعراسهم. يضاف الى كل ذلك، ان العادة المنشرة منذ سنوات توجب القيام بالاحتفالات لأيام قد تصل الى أسبوع واكثر وباشكال مصطنعة وطارئة مزيفة، احتفالات تتخللها مظاهر من الاسراف في الصرف والمفرقعات واغلاق الشوارع وازعاج الجيران، الخ....
أمثلة مضيئة
طبعا هنالك امثلة مضيئة تبعث على الفخر من حيث الاختصار ورفض النقوط وقيام العائلة بتحمل مصاريف الاحتفالات وما يتخللها من ضيافة، وهنالك امثلة من الغاء عموم مظاهر الاحتفال والاقتصار في تلك المظاهر، كما ان هنالك امثلة رائعة في عادات الاعراس لدى أهلنا في القدس والضفة الغربية، بحيث تقتصر الحفلات على الأقارب والأصدقاء المقربين، ولا تتخللها مبالغات في الضيافة، وان وجدت فان تقديم النقوط، فيما يتعدى افراد العائلة المقربين هو امر غير مقبول، ولا يجوز في عرفهم ان يقوم الضيف بدفع تكاليف الضيافة.
الأعراس ومحنة غزة
مظاهر المبالغات اعلاه لا تقتصر على بلد ولا على منطقة لدى المجتمع الفلسطيني في ال-48، وهي تتفاقم منذ سنوات، الى حالة غير معقولة من التدهور والتهور وانعدام المحددات واللياقة، وحقيقة أصبحت عبئا اجتماعيا واقتصاديا واخلاقيا يوجب المراجعة والعلاج. كل ذلك قبل وصولنا الى محنة غزة، التي تصل الى كارثة إنسانية مستمرة بفعل العدوان الإسرائيلي المتواصل على شعبنا هناك، وهي أوضاع غير إنسانية بشكل غير مسبوق في وضع شعبنا عموما. وطبعا نسمع، وفي كل محفل، إصغاء عميقا وتضامنا مهما مع معاناة اهل غزة، واعتبارا وطنيا واخلاقيا وانسانيا لمعاناتهم، بما في ذلك استعدادا لدعمهم، بما نستطيع. لكن استمرار مظاهر الاعراس والاحتفالات تفي بغير ذلك، بل هي تفي باننا نعيش حالة انفصام، تعبر عن ازمة عميقة تستوجب التوقف والتفكير في استمرارنا كمجتمع، وكجزء من شعب يعيش أياما عصيبة، غير مسبوقة في آلامها.
قبل سنوات مر مجتمعنا، كما العالم، في تبعات جائحة الكورونا، والكثيرون املوا بان يؤدي تقليص العلاقات الاجتماعية عموما، والاعراس خصوصا، الى تقليص استراتيجي لمظاهر الافراح، التي تحولت الى عبء ودليل خلل اجتماعي، الا ان تلك الآمال تبخرت سريعا بعد انقضاء الجائحة. وقبل تلك الجائحة تعرض مجتمعنا خصوصا، وعموم شعبنا، الى ظواهر من الانتكاسات، من العنف المتفاقم، واثار الازمات الاقتصادية والغلاء، والحروب التي شنتها إسرائيل على شعبنا في القدس وغزة والضفة واللجوء، وفي جميعها سمعنا دعوات للاعتبار واخذ الدروس، واعني فيما يخص مظاهر الفرح عموما، والاعراس خصوصا، والتي تخطت في غالبيتها المنطق والمعقول وتحولت الى حالة من "الجنون المجتمعي" بدل ان تكون مناسبة للاحتفاء المعقول والبدايات الصالحة.
حرب غزة واثارها هي بالتأكيد تترافق مع مظاهر أعمق وأصعب وأكثر ايلاما من كل ما سبقها، واستمرار مجتمعنا في مظاهر الفرح المبالغ بها هو على الأقل تعبير عن عدم اعتبارنا لأوضاع شعبنا الكارثية، انه شكل من اشكال الانفصام والانقطاع عن الواقع. هذه دعوة – مرة أخرى- الى ان نبادر، كل على انفراد، كما كجماعة، ان نبادر الى تدارك الوضع ووضع حد لما "زاد عن حده" اصلا.
من هنا وهناك
-
‘لم يكن بالإمكان أفضل مما كان‘ - بقلم : وسام بركات عمري
-
الحسّ الأنثوي في رواية ‘رحلة إلى ذات امرأة‘ للروائية المقدسية صباح بشير - بقلم : علاء الأديب
-
‘ في ذكرى وفاة أبي: لا عزيز ينسى ولو مرّ على وفاته ألف عام ‘ - بقلم : الكاتب أسامة أبو عواد
-
‘ أرجوحة ماغوطيّة ‘ - بقلم : حسن عبادي من حيفا
-
‘ تغيير الواقع ‘ - بقلم : د. غزال ابو ريا
-
المحامي زكي كمال يكتب : العنصريّة داء الأمم وبداية تفكّك الدول
-
‘ بدون مؤاخذة-التّكيّف والتّهجير ‘ - بقلم : جميل السلحوت
-
مقال: الولاء بين التقاليد والحق - بقلم: منير قبطي
-
‘ بلدتي بين الامس واليوم‘ - بقلم : معين أبو عبيد
-
‘رأيٌ في اللغة .. في مـِحنة اللّغة ومَعاني ‘الاشتهار‘ .. قُل: اشتَهَر، وقُل: اشتُهِر‘ - بقلم: د. أيمن فضل عودة
التعقيبات