مقال: الاحتجاز الاسرائيلي لأموال المقاصة يعيق قدرة السلطة الفلسطينية ويحمل أبعاداً سياسية وأمنية خطيرة تهدد بتقويض الاستقرار الداخلي..!
ان احتجاز إسرائيل لأموال المقاصة الفلسطينية سيؤدي إلى تداعيات كارثية على الصعيدين السياسي والاقتصادي، ومواجهة هذه الأزمة لا يمكن أن تقتصر على خطوات آنية وعابرة، بل تتطلب تغييرات استراتيجية
د. سهيل دياب
عميقة لتحويل التحدي إلى فرصة لتفكيك التبعية الاقتصادية للسلطة الفلسطينية عن إسرائيل.
فالتأثيرات السلبية لهذه السياسة الإسرائيلية تنعكس على أربعة مجالات رئيسية تهدد استقرار المجتمع الفلسطيني ومؤسساته.
١. تأثير احتجاز أموال المقاصة على الحوكمة، حيث تشكل هذه الأموال حوالي 60% من ميزانية السلطة الفلسطينية، وتغطي ما بين 70 إلى 80% من رواتب الموظفين في القطاعين المدني والأمني.
٢. أن هذا الاحتجاز يعيق قدرة السلطة على ضبط الجهاز الحكومي، مما يحمل أبعاداً سياسية وأمنية خطيرة، تهدد بتقويض الاستقرار الداخلي.
٣. هذه الأزمة ستدفع العديد من العائلات الفلسطينية، خاصة من فئة الموظفين، إلى قائمة الفقر والضائقة المعيشية، مع انخفاض السيولة النقدية الذي سيؤثر على القطاع الخاص، حيث تتضاءل القوة الشرائية اللازمة لتحريك الاقتصاد المحلي.
٤. انتشار ظواهر اجتماعية مدمرة، مثل العنف المجتمعي والعائلي، وتفشي السوق السوداء، والمخدرات، والابتزاز (الخاوة)، وغيرها من المشكلات التي عانت منها شعوب أخرى في ظروف مماثلة.
هذه الظواهر تهدد النسيج الاجتماعي الفلسطيني وتزيد من حالة عدم الاستقرار.
وتنذر من ارتفاع منسوب التذمر السياسي تجاه الطبقة الحاكمة، مما قد يؤدي إلى تعميق الانقسام الجغرافي والسياسي والاجتماعي بين الفلسطينيين، ويضعف التماسك الوطني في مواجهة الاحتلال.
أما فيما يتعلق بالخطوات الممكنة لمواجهة هذه الأزمة، فأعتقد أنها ستكون مزيجاً من الإجراءات الآنية والاستراتيجية.
على المدى القريب، بجب تكثيف الجهود الدبلوماسية من خلال التواصل مع محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن والمؤسسات الدولية،ولجنة العمل الدولية خاصة الأطراف الموقعة على بروتوكول باريس الاقتصادي من العام ١٩٩٥، الذي ينص على تحويل أموال المقاصة إلى السلطة الفلسطينية.
ان هذه الخطوات الدبلوماسية الجادة يجب أن تكون واسعة النطاق للضغط على إسرائيل لوقف سياساتها غير القانونية.
بالنوازي، مطلوب تجنيد دعم مالي طارئ من دول عربية وخليجية وجهات دولية لتغطية العجز المالي الناتج عن احتجاز أموال المقاصة، مشيراً إلى أن تداعيات هذه الأزمة لن تقتصر على الفلسطينيين، بل ستمتد إلى استقرار منطقة الشرق الأوسط.
أما على صعيد الإجراءات الداخلية، فمن الضروري اعتماد سياسات تقشفية فورية تشمل تقليص النفقات غير الضرورية، وزيادة الإيرادات المحلية، وإعادة ترتيب الأولويات المالية.
أود التأكيد على ضرورة إشراك الشعب الفلسطيني في هذه الإجراءات بشفافية لضمان تجاوب أوسع وتعزيز الوحدة الوطنية في مواجهة الاحتلال.
هذه الخطوات الآنية تبقى ردود فعل محدودة الفعالية، ولا تمثل مبادرات استراتيجية طويلة الأمد.
أما على المستوى الاستراتيجي، فمن الضروري بمكان تحويل هذا التهديد إلى فرصة من خلال "قلب الطاولة" على الاحتلال، عبر تفكيك التبعية الاقتصادية للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية عن الاقتصاد الإسرائيلي.
فهذا الهدف يتطلب بناء اقتصاد فلسطيني مستقل ومقاوم، يعتمد على دعم القطاعات الحيوية مثل الزراعة والصناعة المحلية، وتعزيز مشاريع صغيرة وعائلية لتحقيق الاكتفاء الذاتي في المجالات الغذائية والصنتعان ااصغية والمشاريع السياحية.
وبالتوازي من المفروض تقليص الاعتماد على السوق الإسرائيلية إلى الحد الأدنى، من خلال تقليل الاستهلاك من المنتجات الإسرائيلية وتوجيه الاقتصاد الفلسطيني نحو الاستقلالية.
أن هذا التوجه الاستراتيجي يحقق ثلاثة أهداف رئيسية: أولها تثبيت الشعب الفلسطيني على أرضه من خلال خطوات تنموية يقودها الفلسطينيون أنفسهم.
والأمر الثاني ، تعزيز قدرة القيادة الفلسطينية على السيطرة على الموارد والقرارات الاقتصادية.
والأمر الثالث وهو تهيئة الأرضية لحلول سياسية مستدامة، بما في ذلك حل الدولتين، دون تقويض المؤسسات الفلسطينية القائمة.
من الجظير ذكره أن البديل لهذه الخطوات هو انهيار السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وهو ما يخدم أهداف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في الظروف الحالية، مما يهدد بتفكيك الحوكمة الفلسطينية وزيادة الفوضى.
ان استمرار احتجاز أموال المقاصة يشكل تهديداً مؤسساتيا لهيكلية الحكم وهيكلية الشعب الفلسطيني.
فالمطلوب الان تحرك دولي وإقليمي عاجل لدعم السلطة الفلسطينية، وتطبيق استراتيجية اقتصادية مقاومة تضمن بقاء الفلسطينيين وصمودهم في مواجهة الاحتلال.
من هنا وهناك
-
‘حقيقة المنفى بين شعر محمود درويش وفكر إدوارد سعيد‘ - بقلم : إبراهيم أبو عواد
-
‘حين تُغتال اللغة وتُغتصب القيم: صرخة في وجه الواقع‘ - بقلم: رانية مرجية
-
مقال: بدلًا من الهدم – فلنَبْنِ الأمل لأهالي السِّرّ - بقلم: عبد المطلب الأعسم
-
مقال: الأكراد وموقفهم من الانتخابات القادمة - بقلم : اسعد عبدالله عبدعلي
-
‘ العنصرية تسقط عند سرير الشفاء ‘ - بقلم: رانية مرجية
-
‘ رأي في اللغة ..5 العربية لا يحيط بها إلا نبيّ .. فقُل صَحَت وقُل أَصْحَت ‘ - بقلم: أيمن فضل عودة
-
‘الفناء في الحق عين البقاء‘ - بقلم : الشيخ محمود وتد
-
‘ بسام جابر… ذاكرة الإعلام في الداخل الفلسطيني ومهندس الصوت المجتمعي الهادئ‘ - بقلم: رانية مرجية
-
مقال: حتى نلتقي GPS - بقلم : يوسف أبو جعفر
-
‘وجهة نظر: الانتهازية والسلطة المحلية‘ - بقلم : د. حسام عازم
أرسل خبرا